تحرير الصورة الرقمية والخط الأخلاقي بين الجماليات والحقيقة
ما الذي تفضله؟ الصورة الأصلية لمتمرد يرتدي قناعاً أبيض في ليبيا ويحمل في يده قذيفة صاروخية أو أرض المعركة، التي تبدو أكثر إثارة، وتُبرز بشكل واضح التباين في إظهار اللون الرمادي والأشكال الحمراء في السحب والدخان والأرض.
طيف الأدوات الرقمية المتاحة للمصورين لتحرير الصور واسع، بدءاً من البرمجيات المهنية مثل فوتوشوب إلى الوسائل الاستهلاكية مثل صور الآيفون “أيفوتو” أو “بيك مونكي“، ناهيك عن مئات تطبيقات التصوير بالهاتف المحمول.
في السابق كان التقاط الصور بحاجة إلى الكثير من الوقت وإلى مهارة في تحميض الصور. أما اليوم فإن ضبط العناصر الأساسية للصورة الرقمية، كوضوح الضوء ودرجة تشبع الألوان وتباين الظلال وما إلى ذلك، أصبح سهلاً جداً.
ولكن تعدد الأدوات الرقمية لا يعني أن تحرير الصورة أمر سهل، بل على العكس تماماً. في الواقع فإن ذلك يفتح على المصورين ومحرري الصور في قسم الأخبار سيلاً من الأسئلة الأخلاقية.
إلى أي مدى يمكن للمرء ضبط الصورة رقمياً بهدف زيادة قيمتها البصرية؟ ماذا لو كانت محتويات الصورة غير مناسبة أو كان ضبط اللون الأبيض غير صحيح في الصورة، فإلى أي حد يمكن تصحيح الصورة لجعلها تبدو مقبولة جمالياً، ولكن دون تغيير سياقها أو معناها؟
في عام 2009 استبعد قضاة دنماركيون صورة العام لـ كلافس بو كريستنزن، وقد برروا قرارهم بأنه خرج عن السياق أثناء تحريره للصورة بالفوتوشوب.
هذه هي بعض القضايا التي طرحتها أكاديمية دويتشه فيله على كلاوديو بالميسانو، أحد مؤسسي مختبر التصوير 10ب في روما.
يعمل بالميسانو وزملاؤه بشكل وثيق مع صحافيي تصوير رائدين مثل يوري كوزيريف وفرانسيسكو زيزولو وباولو بيليغرين. وعلى الرغم من أن أسمائهم لا تظهر دائماً إلى جانب اسم المصور، إلا أن لخبرة تحرير الصور لدى مختبر 10ب دور مهم في الفوز بجائزة التصوير.
يرى العاملون في مختبر 10ب أنفسهم كـ“غرفة رقمية مظلمة“، وعندما يتعلق الأمر بالمناقشة الأخلاقية حول استخدام البرامج الحديثة في الصحافة الصورية، يأتي الجواب:
“نحن نعتقد أن الحديث عن “التلاعب” صحيح في حالة واحد فقط، وهي عندما “تتحرك” نقاط الشاشة (بيكسل). وذلك عندما لا تخضع وحدة الحد الأدنى للصورة الرقمية للاستبدال أو الاستنساخ.”
اقرأ المزيد ضمن حوارنا مع كلاوديو بالميسانو، من مختبر 10ب.
كيف تصف دوركم في عملية تحرير الصورة؟
مختبر 10ب للتصوير هو “غرفة رقمية مظلمة” بأوسع معانيها. هذا يعني أننا نكيّف أسلوب سير عمل الغرفة المظلمة التقليدية ليتماهى مع الصور الرقمية. الأدوات التقليدية مثل المواد الكيميائية والمكبر والمرشحات يتم استبدالها بالفوتوشوب، أي استبدال الصور السلبية بملفات آر إي دبليو. نحن نتعاون مع المصور لإظهار الصورة والقصة كاملة وفق رؤية المصور قدر الإمكان. حوار بين رؤية المصور الخاصة وثقافتنا البصرية هو الأساس للحصول على النتيجة المرجوة. لا أعتقد أن عملنا ينضوي تحت شروط اللمسات التجميلية، بل هو بالأحرى تحسين القدرة الكامنة لالتقاط الصور من خلال احتواء حدودها وتعزيز جودتها.
عندما تفتح ملف صورة رقمية لبدء العمل، ما هو النهج الذي تتبعه في تحرير صورة ما؟
عندما يتعين علىّ التعامل مع صور مصورين تربطني بهم علاقة عمل طويلة وثابتة، فعادة ما أبدأ بمعالجة الملفات مستخدماً “دروبليت“، وهو برنامج معقد لأتمتة الإجراءات في الفوتوشوب، ومصمم خصيصاً لكل مصور ولكل قصة. على سبيل المثال في حالة صور يوري كوزيريف عن الربيع العربي، استخدمت برنامج “فوتوشوب دروبليت“. استخدام هذا البرنامج يتيح لنا بسرعة وبكفاءة عالية معايرة التباين والتشبع والقوام والأشكال من مجموعة الصور. وبعد “الطلاء” العام للصورة نشرع بتحرير كل صورة على حدا، الواحدة تلو الأخرى، ونصحح الأحجام والتفاصيل والرموز.
كيف يمكنك تحديد فيما إذا كان تحرير الصورة مبالغاً فيه، بحيث ربما يتم تشويه الواقع أو المعنى أو الحقيقة؟
يقع الحد بالكامل في خيارات المصور أثناء التصوير ومضمون الصورة واستخدامها. الكثير من النظريات حاولت تعريف مفهوم “المبالغة بالفوتوشوب“. ثمة بعض النظريات تمثل وجهات نظر محافظة أو رجعية في التحرير الرقمي. بعضها الآخر عبارة عن أفكار غير مبالية أو تجريبية. ومن خلال هذه النظرة، وفيما يتعلق بالتصوير الوثائقي فإن رأيي يأخذ في الاعتبار أن إدراك الألوان هو ظاهرة نسبية، وبالتالي لا مانع من نطاق واسع نسبياً من الإمكانيات. ومع ذلك أرى أن المغالاة في حدود ما يحتمل أي تغيير يخرب التناغم بين الألوان (كتغيير لون واحد فقط) أو تغيير مضمون الصورة (استنساخ أو إزالة أو إضافة).
إلى أي مدى تعتقد أن تقنية التحرير الرقمية لها تأثير على نمط المصور؟
أعتقد أن هناك تأثيراً تكنولوجياً هائلاً التأثير لأدوات التحرير الرقمي على نمط المصور. لكن ذلك كان صحيحاً دائماً لكل المصورين من خلال تحديث أدواتهم التكنولوجية وإدخال اختراعات جديدة إلى حقل التصوير الفوتوغرافي. من الألواح الفضية إلى عملية السالب والموجب، والصفيحة الزجاجية سالبة، ومستحلب الجيلاتين، وقاعدة فيلم السيلوليد، فيلم 35 ملم، وإدخال التصوير الملون، ومن ثم الكاميرات الرقمية من الجيل الثاني والثالث، واستخدام برمجيات تحسين الصورة. كل تطور تقني هو ثورة لصالح المصورين، وهذا الأمر سيتكرر في المستقبل مع أي ابتكار مهم.
عندما يخطط مصورون العمل معكم، هل تطلبون منهم ضبط كاميراتهم بطريقة معينة لإنتاج ملفات الصور، بحيث تتيح لكم خيارات أكثر للتحرير؟
أنا أوصي دائماً أن تُلتقط الصور بملفات (آر إي دبليو)، وهكذا يصبح أي اقتراح آخر لا معنى له. وإذا اضطر المصور غلى إرسال صوره بصيغة (جي بي غي)، (كأن تكون هناك مشاكل في الاتصال بالإنترنت)، فسيكون من الأفضل أن يحوّل المصور الصورة إلى ملف (آر إي دبليو)، وفقاً لتعليماتي، ومن ثم يرسل لي الصورة كـ (جي بي غي). في حال كانت الصورة الملتقطة (جي بي غي)، فمن المهم أن يختار المصور بروفايل واسع اللون (أدوبي 98) وإلغاء كل الإعدادات السابقة الأخرى بشكل قاطع.
أجرى اللقاء: غاي ديغن
(تم نشر الصور هنا بعد أخذ موافقة المصورين ومختبر التصوير 10ب)