More DW Blogs DW.COM

onMedia

الصحافة النوعية في العصر الرقمي

الربيع العربي: “سرعان ما يتم المبالغة بمهمة الإعلام الاجتماعي”

الشبكات الاجتماعية ساهمت في إنجاح الثورات

في أي نقاش عن الربيع العربي سرعان ما يسمع المرء كلمة ثورة الفيسبوك“. ولا أحد يعرف بالضبط الدور الفعلي الذي لعبه الإعلام الاجتماعي في التحولات التي شهدتها منطقة شمال إفريقيا، فغالباً ما نسمع تقييمات متضاربة. “أيرا مارتنستناولت في أطروحتها في دراسات الإعلام الدولي التابع لأكاديمية دويتشه فيله هذا الموضوع من جانبه العلمي، فخرجت الدراسة النوعية بنتائج مفاجئة.

أيرا مارتنس، في أطروحتك لشهادة الماجستير عالجت بدقة تأثير شبكات التواصل الاجتماعي على الثورة المصرية. هل يمكن القول إن التويتر والفيسبوك ساهما في الإطاحة بالرئيس السابق مبارك؟

أجل، فنتائج دراستي تشير إلى أن التويتر والفيسبوك لعبا دوراً هاماً في عملية تحريك التظاهرات. ففي مصر كان للفيسبوك بشكل خاص وظيفة فعالة في تسريع إسقاط النظام.

لكن هذا لا يعني بالضرورة أنه لولا الإعلام الاجتماعي لما قامت الثورة. لقد أجمع ناشطو مواقع التواصل الاجتماعي الذين سألتهم أنه لولا تلك المواقع لكان من الممكن أن الإطاحة بالحكومة ستتأخر لعدة سنوات أخرى.

في البداية أتاحت الشبكات الافتراضية تحركاً احتجاجياً ضمن حيز ضيق جداً. لكن هذا التحرك تنامى بشدة خلال فترة وجيزة. وفي العام الذي سبق موجة الاحتجاجات على وجه الخصوص، والتي دامت 18 يوماً في يناير وفبراير 2011، ازدادت عدد مستخدمي الشبكات الاجتماعية بشكل كبير. تقرير الإعلام الاجتماعي العربي يستعرض هذا النمو من حيث العدد بشكل واضح.

ما الذي يميز دراستك عن الدراسات الكثيرة الأخرى؟

ثمة دراسات نوعية كثيرة جداً عن الإعلام الاجتماعي في الربيع العربي“. دراستي ذات منحى نوعي في المقام الأول. في السنوات الأخيرة كانت هناك هالة كبيرة حول وسائل الإعلام الاجتماعية ودورها في عمليات التغير السياسية. متفائلو العالم الافتراضي ومشككو الإعلام الاجتماعي يتناقشون بشغف منذ سنوات حول ثورات التويتر وتأثيرات الفيسبوك.

وفي ضوء هذه المناقشات، التي دارت في وسائل الإعلام وكان جزء منها متضارباً بشكل كبير. وضمن إطار رسالتي للماجستير واستناداً إلى بيانات تجريبية خاصة أردت دراسة الدور الفعلي الذي لعبته منابر الإعلام الاجتماعي في الثورة المصرية تحديداً.

تثبت إحصائيات المستخدمين وتحليلات الشبكات بشكل واضح نسبياً الدور الأساسي لمواقع تواصل اجتماعي بعينها ساهمت في عمليات التحول السياسي. وتشير الدراسات المتوفرة سلفاً إلى أن هناك حاجة إلى مزيد إلى الأبحاث، بخاصة فيما يتعلق في تشكيل الهوية الجماعية ووظيفة التنظيم. فأردت أن أتعمق في هذا المجال وأعرف لماذاوكيفاستخدم الناس في بلد مثل مصر الإعلام الاجتماعي لتحريك الاحتجاجات.

ما هي الطريقة المنهجية التي اخترتيها لهذا الغرض؟

اخترت طريقة تحليل المحتوى النوعي للقاءات الخبراء التي طورها الباحث الاجتماعي فيليب مايرينغ. في البداية طورت نهجاً للقاءات استناداً إلى توجهي النظري وسؤال بحثي. فقمت بتعريف الجوانب الرئيسة والمتغيرات التي تهمني بشكل خاص.

ما هو تأثير الإعلام الاجتماعي على الهوية الجماعية؟

على وجه التحديد ساهمت الصور والفيديوهات بوضوح في فترة الثورة في إمكانية نشوء هوية جماعية في مصر، وبتعبير أدق كنوع من التضامن. بخاصة الصور، التي تظهر الاعتداء الوحشي للشرطة وانتشرت عبر الفيسبوك ومواقع أخرى مثل يوتيوب وفليكر، كان لتلك الصور تأثير على استعداد الناس للنزول إلى الشارع غير آبهين بأن يصابوا أو يُقتلوا حتى. إلى جانب السخط المتزايد تلاشى حاجز الخوف لدى المواطنين في نهاية المطاف.

بالمجمل العام أدى الإعلام الاجتماعي إلى أن يشعر الناس أنهم جزء من حركة الاحتجاجات الهائلة، والذين تجرأوا فيما بعد إلى التحرك ككتلة جماعية من العالم الإلكتروني إلى العالم الحقيقي، والمقصود هنا النزول إلى الشوارع والساحات العامة.

تتناول دراستك ناحية التنظيم أيضاً. ما هي النتيجة التي خلصتي إليها على هذا الصعيد؟

في ذروة الاحتجاجات الشعبية في يناير وفبراير في مصر لعبت بشكل خاص منظمات حقيقية مترسخة، مثل جماعة الإخوان المسلمين والألتراس، دوراً رئيساً في تنظيم تظاهرات الحشود. ومن هنا كان دور وسائل الإعلام الاجتماعي محدود جداً.

لدرجة أن بعض الخبراء كانوا على قناعة أن الإعلام الاجتماعي أدى إلى الفوضى والبلبلة. بيد أن الناشطين لا يرونه بالضرورة أمراً سلبياً. لقد تمت تعبئة الناس وهم يرغبون بالمشاركة بشكل فعّال في عملية التحول السياسي. ومع ذلك فإن مهمة التنظيم عبر الفيسبوك والتويتر تبدو محدودة فيما يتعلق بتنظيم حركة الاحتجاجات لفترة طويلة الأمد، وتعريف الأهداف الجماعية وإنشاء هيكلية فعالة.

من حيث المبدأ ينبغي على المرء التمييز الدقيق بين مهام الفيسبوك المحددة والمنابر الأخرى. ففيما يتعلق بمهمة التنظيم يتعين التمييز بين تأثيرات الشبكات الاجتماعية ونموها وبين مهمة التنسيق. للأسف غالباً ما تؤخذ في هذه الحالة استنتاجات عامة وغير علمية. ولا يتم تعريف وتحديد المفاهيم بالضبط. لقد كان ولايزال التسرع بشكل مبالغ فيه هو السائد فيما يتعلق بمهمة وسائل الإعلام الاجتماعية.

استخدمت حركة الاحتجاجات منابر عديدة، بخاصة التويتر والفيسبوك. هل هناك فرق في استخدام هذين الشبكتين الاجتماعيتين؟

هذه نقطة مهمة جداً أيضاً: لا بد من التمييز بين أدوار المنابر الفردية على حدا. لمجرد النظر إلى المتطلبات التقنية يفهم المرء أن هذه المنابر تستخدم لأغراض مختلفة عن بعضها؛ ففي حين يُستخدم الفيسبوك لتبادل المحتويات السمعية والبصرية على نطاق واسع، ولإنشاء مجموعات والخوض بمناقشات، فإن وظيفة التويتر في الحالة المصرية على وجه خاص تركزت على الأغراض اللوجيستية. وهذا يعني تبادل المعرفة مثلاً في كيفية التعامل مع الغازات المسيلة للدموع.

علاوة على ذلك فإن المعلومة تنتقل بسرعة كبيرة ليعلم الناس آخر الأحداث في الشوارع. ما أتاح للمظاهرات سرعة التفاعل، كالابتعاد المقصود عن الاشتباكات والحواجز. فبينما كان الفيسبوك يُستخدم من قبل شريحة واسعة من الشعب، كان التويتر يُستخدم على وجه خاص قبل الناشطين الذين كانوا ينقلون الأحداث إلى خارج الحدود أيضاً.

لقد سألت ناشطي الإعلام الاجتماعي في مصر. من هم هؤلاء الناس؟

سألت عشرة خبراء من مجال وسائل الإعلام الاجتماعي في القاهرة. معظم من تحدثت إليهم كانوا شباباً مصريين مسلمين ولديهم وظائفهم. متوسط أعمارهم 25 عاماً. الأمر الحاسم بالنسبة لي أن جميع الذين أجريت مقابلات معهم شاركوا في الاحتجاجات السياسية على شبكة الإنترنت وعلى الأرض أيضاً، ضمن إطار الثورة المصرية.

كما أنني تحدثت إلى مدير تسويق موقع إخباري رائد ومع مدير منظمة حقوق إنسان ومع صحافي مصور يعمل في محطة تلفزيونية خاصة ومع محررة في صحيفة حكومية. هذا المزيج ممن يمثلون وسائل الإعلام التقليدية والحديثة وفر لي طيفاً واسعاً من وجهات النظر، كما أتاح لي تكوين استنتاجات عن نظام الإعلام المصري على نطاق أوسع.

هل كانت هناك شخصيات قيادية أثناء حركة الاحتجاجات؟

من اللافت للنظر غياب هذا الأمر، فعلى الرغم من الشخصيات التي تحدثت إليها يمكن اعتبارها شخصيات قيادية في حركة الاحتجاجات المصرية، إلا أن معظمهم لا يعتبر نفسه شخصية رئيسة، بل هم متواضعون نوعاً ما.

هذا الجانب مثار جدل كبير: البعض مقتنع أن حركة الاحتجاجات، على الأقل على شبكة الإنترنت، لم تكن بحاجة إلى شخصيات قيادية، وأن أشكال التنظيم والتواصل من قبل مجموعات الفيسبوك كانت سمة حاسمة للإعلام الاجتماعي.

البعض الآخر يعتقد، على العكس من ذلك، أنه كانت هناك ما يسمى بـالشخصيات القيادية“. ومع ذلك لم تكن تلك الشخصيات من اختلاق وسائل الإعلام. والمقصود هنا مدونون مشهورون، إضافة إلى كتّاب مصريين معروفين مثل الأسواني، الذي يعد أيضاً أحد القياديين في حركة كفاية.

كيف يمكن وصف العلاقة بين الإعلام الاجتماعي والإعلام التقليدي في مصر؟

في الحالة المصرية كان هناك تبادل واضح للأدوار بين الإعلام الجديد والتقليدي. وسائل الإعلام التقليدية في داخل مصر وخارجها تمكنت من اللجوء إلى المحتوى المقدم من المحتجين، بدلاً من الاستعانة بالمحتوى الذي تنتجه بنفسها. لكن تأثير الإعلام الاجتماعي كان مرتبطاً بالمحطات التلفزيونية والصحف اليومية أيضاً. جزء من المصريين الذين لا يستخدمون الإنترنت، أو يستخدمونها بشكل ضعيف، كانت تستقي معلوماتها في المقام الأول من المحطات التلفزيونية الخاصة.

لمدة خمسة أيام كان هناك تعتيم على شبكة الإنترنت في مصر، والذي يمكن تفسيره في طريقتين: فمن جهة لم تكن هناك احتجاجات، ورغم ذلك نزل الشعب إلى الشارع. ومن ناحية أخرى، غالباً ما يتم تداول أن السبب هو سخط الناس على حجب وسائل الإعلام الاجتماعية، وهذا الأمر دفع الناس للنزول إلى الساحات العامة بأعداد متزايدة.

يُشتكى من عدم توفر الحيادية في تغطية أخبار الثورة على الصعيد الوطني والعالمي. فكانت منشورات الفيسبوك وغيره تعد أكثر مصداقية بكثير. لكن بعض الصحف المصرية المستقلة، مثل الشروق والمصري اليوم والدستور، كانت تعد مصدراً هاماً لاستقاء المعلومات.

درست أيرا مارتنسالعلوم الاجتماعية والاقتصادية في جامعة فريدريش ألكسندر في إرلنغن – نورمبورغ. وتخصصت في علوم الاتصال والعلاقات الدولية. ومنذ عام 2007 تعمل لصالح عدة منظمات غير حكومية ومنظمات إعلامية في ألمانيا وأستراليا وجنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية. قبل مجيئها إلى أكاديمية دويتشه فيله كانت تعمل مستشارة إعلامية في الجمعية الألمانية للتعاون الدولي في نيكاراغوا. “أيرا مارتنسخريجة أكاديمية دويتشه فيله في ماجستير دراسات الإعلام الدولي“. وهي لا تزال تساهم في البحوث الأكاديمية في مجال التعاون الإنمائي لوسائل الإعلام بصفتها مساعدة في البحوث.

Date

نوفمبر 11, 2012

Share