More DW Blogs DW.COM

onMedia

الصحافة النوعية في العصر الرقمي

مكافحة التلاعب المثالي بالصورة

Foto-Nordkorea

على مر التاريخ برع العسكر والحكام المستبدون بالتلاعب بالصورة بشكل مغمور، فأحياناً كانت تتم محاكاة الانتصارات أو استبعاد العدو غير المرغوب فيه من الصورة أو يتم اللجوء إلى الحيل البصرية لإبراز النفوذ العسكري بشكل أكبر. أحدث مثال على ذلك صورة مناورة للجيش الكوري الشمالي، حيث يرى المرء عدة قوارب برمائية ترسو على الشاطئ. لكن على ما يبدو لم تكن جميع القوارب حقيقية، كما كتب آلان تايلور في موقع أتلانتيك“. هناك من ضاعف عددها باستخدام أداة مضاعفة العدد. لم تكن هذه هي الحالة الأولى عن التسليح البصري. تزوير صورة ما هو أمر سهل جداً في هذه الأيام. حتى وإن كان كثير من الصور قد تم إنجازه بشكل هاوٍ، مثل صورة كوريا الشمالية، فإن التصوير الرقمي يقدم عدداً لا يحصى من البرامج والتطبيقات التي تتيح حتى للهواة بجهد بسيط إمكانية تزوير الصور باحتراف. وهذا الأمر بالذات يضع المؤسسات الإعلامية أمام مشكلة، التي تحتاج غالباً إلى صور منتشرة على الشبكات الاجتماعية لتغطية الأحداث الإخبارية. غير أن بعض المصورين المحترفين لا يمكنهم مقاومة تجميل صورهم عن طريق الفوتوشوب.

هاني فريد

كيف يمكن التحقق من أن صورة ما لم تتعرض للتزوير؟ لا تكفي النظرة الخبيرة دوماً، ففي الحالات الصعبة خصوصاً يأتي دور أناس مثل هاني فريد. إنه خبير الطب الشرعي في تحليل الصور الرقمية، ويقدم استشارات لمؤسسات إعلامية مثل أسوشيتد برس أو رويترز أو وكلات إخبارية أخرى عندما تريد تلك المؤسسات التحقق من مصداقية صورة ما. إذا ما أراد المزورون الاحتيال عليه، فعليهم أن يتحلوا بالذكاء، فإلى جانب عمله أستاذاً في جامعة دارتموث، شارك في وادي السيليكون في تأسيس شركة فوراند سيكس، حيث يعرض هناك برنامجاً يمكن دمجه في الفوتوشوب، ويقوم هذا البرنامج بفحص فيما إذا كانت الصورة قد طرأ عليها تغيير أم لا. هذا الأمر يمثل تحدياً من الناحية التقنية، إذ يتعين تقييم عدد لا يحصى من قيم الأوسطة. ولن تكون هناك حماية بالمطلق من الصور المزيفة، حسبما يقول في اللقاء التالي.

ما المقصود بالضبط بـالطب الشرعي الرقمي؟

نحن نفحص إذا ما كانت صورة ما أو ملف صوتي أو ملف فيديو أصلي أم لا. هل نتعامل مع صورة أصلية أم طرأ تعديل عليها بعد التقاطها. نركز بشكل خاص على الصور، فهي ببساطة أكثر أشكال الإعلام انتشاراً. جلب العصر الرقمي معه إمكانيات لمعالجة الصور لا حصر لها. ويمكن لأي شخص اليوم أي يتلاعب بالصور. هل يعتبر ذلك نهاية الثقة بالتصوير الإخباري؟ التلاعب بالصور يتم منذ سنوات طويلة. وستجدون على موقعنا الإلكتروني أمثلة تاريخية موثقة في زاوية خاصة تحت عنوان تلطيف الصورة عبر التاريخ“. لكن تلك الأمثلة تشير إلى أنه بمقدور أي شخص اليوم تحرير الصور باستخدام أدوات وبرامج متطورة بالكمبيوتر المحمول أو اللوحي أو الهاتف الذكي. لقد أصبحت معالجة الصور أمراً ديمقراطياً. والسؤال فيما إذا كان ذلك يعني نهاية الثقة في الصور، إنما هو سؤال جيد. وهو يعني على أية حال أن علينا تغيير علاقتنا بالتصوير. حتى الآن نحن نفهم الصور على أنها تسجيل للأحداث. حتى وإن خضعت الصور للتلاعب من قبل، فلم نكن نبدي تشككاً كبيراً. واليوم يتعين علينا أن نكون متشككين. وعلينا قبل كل شيء طرح بعض التساؤلات. أحد الأشكال للقيام بذلك هو العمل الذي نقوم به بصفتنا خبراء الطب الشرعي الرقمي. أو أن لا يتقيد المرء بصور متفردة للحدث. الأمر الرائع في أن لدى كل شخص اليوم آلة تصوير هو أنه تتوفر لدينا للأخبار العاجلة آلاف الصور لحدث ما. إحدى الطرق لإعادة كسب الثقة من جديد هي استخدام الإطناب في النظام.

من خلال شركتك فورأندسيكستسوق لبرنامج فورماتش“. ما هو هذا البرنامج؟

فورأندسيكسهي عبارة عن تقنية طب شرعي تقوم بفحص إذا ما كان مصدر صورة ما هو الكاميرا مباشرة أو أن الصورة خضعت لأي شكل من أشكال التغيير: هل تم تحميلها في برنامج لإدارة الصور أو أنها منتشرة على الشبكات الاجتماعية أو أنه تم التعامل معها باستخدام برنامج لتعديل الصور؟ تقوم كل كاميرا دوماً بإنتاج بروفايل Jpeg خاص بها. في حال تم إدخال الصورة إلى برنامج أو خدمة إلكترونية، فسيتغير البروفايل الخاص بالصورة.

أي أن بإمكان البرنامج أن يقرأ أكثر من بيانات إيكسيف” (بيانات ميتا في الصور الرقمية)؟

تحتوي بيانات إيكسيف على بعض المعلومات عن طراز آلة التصوير، فهي تخبرنا مثلاً عن البعد البؤري الذي التقطت بواسطته الصورة وإذا ما تم استعمال الوميض. كما أن المعلومات تحتوي على الوقت والتاريخ، وبيانات الجي بي إس حسب طراز الكاميرا. غير أن المشكلة الوحيدة في هذه البيانات هي أنه بالإمكان إضافتها بسهولة بالغة إلى الصورة حتى بعد التعديل. أنا أتحدث عن آلية تخزين بيانات Jpeg. يتعلق الأمر هنا بمئات التعديلات المسبقة بدءاً من التصميم وحتى ضغط الصورة، الذي حدده المطورون وهو مختلف من كاميرا إلى أخرى. التأثير على ذلك أمر بالكاد ينجح فيه الناس العاديون.

إلى أي مدى يُعتبر ذلك مفيداً للصحافيين فيما يخص فحص الصور؟

بإمكانهم التحقق إذا ما كان مصدر الصورة، التي حصلوا عليها من صحافي مواطن أو مصور، هو آلة التصوير مباشرة أم لا. وهذا بالطبع معيار صارم جداً. يكفي أن تفتح صورة ببرنامج أيفوتوومن ثم إرسالها، حتى تصبح الصورة غير أصلية؛ مع أن ذلك لا يعني تلاعباً بمحتوى الصورة. يمكنك تغيير درجة التباين أو السطوع في الصور دون أن يؤدي ذلك إلى تغيير المحتوى. أنا أنصح المؤسسات الإعلامية مثل أسوشيتد برس أو رويترز بأن يطلبوا من مصوريهم إرسال الصورة الأصلية دائماً، بحيث يمكنهم مقارنتها بالصورة المعدّلة، وبعدها يقرروا: هل تم تعديل الألوان أو التباين ضمن الإطار المعقول. عندما يدرك الناس أن عليهم إرسال الصورة الأصلية أيضاً، فسيتراجعوا عن إجراء التعديلات.

لكن متى يصبح تعديل الصورة تجاوزاً غير مسموح به؟ أثناء جائزة صورة الصحافة العالمية الأخيرة كان هناك نقاش حول الفائز، فيما إذا كان قد عدّل الصورة أكثر من اللزوم.

ماذا يعني التلاعب؟ هذا سؤال مهم. عندما تقوم بتنميق شيء في الصورة أو إضافة شخص أو شيء ما إليها، فهذا تلاعب واضح. لكن علينا التفريق هنا، وهذا يعتمد على السياق العام، فإذا كنت تعمل لصالح مجلة أزياء ويزعجك شيء ما في الخلفية، فبإمكانك إزالته دون أن يشتكي أحد من ذلك. لنأخذ مثالاً آخر، قبل عدة سنوات نشرت مجلة تايمعلى صفحتها الأولى صورة لـأو جي سيمبسونعندما اتُهم بجريمة قتل. تمت زيادة التباين إلى حد كبير. الأمر الذي أدى إلى ظهور أو جي سيمبسونداكن اللون كثيراً وأكثر جدية. وقد جلب ذلك على المجلة اتهامات بالعنصرية.

يظهر هذا المثال أن تعديلاً بسيطاً على الصورة، مثل زيادة التباين في سياق معين، يمكن أن يكون له معنى كبير. الأمر ذاته ينطبق على التصوير الحربي. ما عليك سوى زيادة التباين للدخان والنار حتى تبدو الحالة أكثر خطراً. في حالات أخرى فإن تعديل التباين لا تأثير له على معنى الصورة. القرار فيما إذا كان التعديل مقبولاً أم لا، هو قضية معقدة جداً. السياق هو الحاسم. نيويورك تايمز نشرت قبل فترة قصيرة على صفحتها الرئيسية صورة إنستجرام. وكان هناك العديد من الريبورتاجات التي تحوي على صور ملتقطة بتطبيق هيبستاماتيك. البعض يقول إن ذلك ليس صحافة صورية ذات مصداقية.

كما سبق وقلنا: السياق هو الحاسم. والحقيقة هي أن الإمكانيات، التي توفرها هذه التطبيقات لتعديل الصور، محدودة نسبياً. لذا فإن إنستجرام وهيبستاماتيك من الناحية النوعية لا يختلفان كثيراً عن آلة التصوير، فالكاميرا لا تلتقط صوراً مثالية أيضاً لأحداث العالم المادي. يتعلق الأمر دوماً بتحولات الواقع. تقوم الكاميرات بالكثير من الموائمات الرقمية على الصورة. وفي كثير من الحالات لا تصل إلى حد إنستجرام أو هيبستاماتيك. أي أن الأمر متعلق بحجم الاستخدام، وليس بنعم أو لا.

وكالة الأنباء أسوشيتد برس تعتمد قاعدة: عدم استخدام الفلترات. هل يعد ذلك حلاً ممكناً للتعامل مع تطبيقات من هذا النوع؟

هذه بالتأكيد توجيهات مدروسة. ما يمكننا أن نلحظه هو أن كثيراً من تقنيات تعديل الصورة المتطورة من الفوتوشوب أصبحت متوفرة بشكل متزايد كتطبيقات للصور. وربما يصبح ذلك في وقت لاحق آلياً بشكل تام. وهذا الأمر يقودنا لتساؤل آخر: ما الذي تعنيه التقاط صورة؟ بإمكانك التقاط عدة صور باستخدام الهواتف الذكية ومن ثم جمعها مع بعضها لتصبح صورة بانورامية. إنها صورة تلتقطها لك الكاميرا، ولم تقم أنت بالتقاط الصورة. صحيح أن ذلك تلاعب بسيط، ولكنه تلاعب مع ذلك. الأمور معقدة. يمكنك أن تقول: بلا فلترات. هذا مقبول. وفي المقابل علينا أيضاً أن نفكر في المستقبل قليلاً.

هل هناك تلاعب مثالي لا يمكن اكتشافه؟

أجل. لكنني لن أبوح لك عن طريقة فعله. التزوير، الذي تم عمله بطريقة جيدة نسبياً، هي صورة لنائب الرئيس بايدن أثناء غسيل السيارة.

كان التزوير جيداً للغاية، ولكننا تمكننا من كشف تناقضات في قيم سطوع الإضاءة. بالتأكيد ليس بإمكان تقنياتنا اكتشاف كل أنواع التلاعب في العالم، فهذا يشبه البريد المزعج ومكافحته، أو الفايروس والحماية منه. سيكون هناك دوماً أشخاص، وأنا واحد من هؤلاء، قادرين على ابتكار صور مزيفة لا يمكن كشفها. هكذا هي طبيعة مهنتنا التي نعمل بها.

الموقع الإلكتروني لهاني فريد في جامعة دارتموث

ننصح بزيارة مدونة هاني فريد وزملائه حول التلاعب بالصور

 

Date

يوليو 28, 2013

Share